الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
روى محمد بن عمرو بن عطاء, قال سمعت أبا حميد الساعدى في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منهم أبو قتادة فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالوا: فاعرض قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه, ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر, فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه, ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنعه ثم يرفع رأسه, ويقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ثم يقول: الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافى يديه عن جنبيه, ثم يرفع رأسه ويثنى رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد, ويسجد ثم يقول: الله أكبر ويرفع ويثنى رجله اليسرى, فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك, ثم إذا قام من الركعة كبر فرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة, ثم يفعل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر قالوا: صدقت, هكذا كان يصلي - صلى الله عليه وسلم-) رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وفي لفظ رواه البخاري, قال: (فإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار مكانه, وإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة, فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى, وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته ). ويستحب أن يقوم إلى الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة وبهذا قال مالك قال ابن المنذر: على هذا أهل الحرمين وقال الشافعي: يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة وكان عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب, وسالم وأبو قلابة والزهري, وعطاء يقومون في أول بدوة من الإقامة وقال أبو حنيفة: يقوم إذا قال: حى على الصلاة فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر وكان أصحاب عبد الله يكبرون إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة وبه قال سويد بن غفلة, والنخعي واحتجوا بقول بلال: لا تسبقنى بآمين فدل على أنه يكبر قبل فراغه ولا يستحب عندنا أن يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة وهو قول الحسن, ويحيى بن وثاب وإسحاق وأبي يوسف, والشافعي وعليه جل الأئمة في الأمصار وإنما قلنا: إنه يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة لأن هذا خبر بمعنى الأمر ومقصوده الإعلام ليقوموا, فيستحب المبادرة إلى القيام امتثالا للأمر وتحصيلا للمقصود ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما كان يكبر بعد فراغه, دل على ذلك ما روى عنه أنه كان يعدل الصفوف بعد إقامة الصلاة ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن, فروى أنس قال: (أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بوجهه, فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا فإنى أراكم من وراء ظهري) رواه البخاري وعنه قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة قال هكذا وهكذا, عن يمينه وشماله: استووا واعتدلوا) وفيما رواه أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: أقامها الله وأدامها) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان, فأما حديثهم فإن بلالا كان يقيم في موضع أذانه وإلا فليس بين لفظ الإقامة والفراغ منها ما يفوت بلالا " آمين ", مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا ثبت هذا فإنما يقوم المأمومون إذا كان الإمام في المسجد أو قريبا منه وإن لم يكن في مقامه قال أحمد في رواية الأثرم: أذهب إلى حديث أبي هريرة: (خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أقمنا الصفوف) إسناد جيد الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال في رواية أبي داود سمعت أحمد يقول: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام, فلا يحتاج أن يقف وعن أبي هريرة قال: (كانت الصلاة تقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم- مقامه) رواه مسلم فإن أقيمت والإمام في غير المسجد, ولم يعلموا قربه لم يقوموا لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) متفق عليه وللبخاري: " قد خرجت ", وخرج على رضي الله عنه والناس ينتظرونه قياما للصلاة فقال: " ما لي أراكم سامدين؟ ". ويستحب للإمام تسوية الصفوف يلتفت عن يمينه, فيقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك لما ذكرنا من الحديث وعن محمد بن مسلم قال: (صليت إلى جنب أنس بن مالك يوما, فقال: هل تدرى لم صنع هذا العود؟ قلت: لا والله فقال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخذه بيساره, وقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم) رواه أبو داود وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) متفق عليه. قال أبو القاسم: [وإذا قام إلى الصلاة فقال: الله أكبر] وجملته أن الصلاة لا تنعقد إلا بقول: " الله أكبر " عند إمامنا, ومالك وكان ابن مسعود وطاوس وأيوب, ومالك والثوري والشافعي, يقولون: افتتاح الصلاة التكبير وعلى هذا عوام أهل العلم في القديم والحديث إلا أن الشافعي قال: تنعقد بقوله: الله الأكبر لأن الألف واللام لم تغيره عن بنيته ومعناه وإنما أفادت التعريف وقال أبو حنيفة: تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه التعظيم, كقوله: الله عظيم أو كبير أو جليل وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ونحوه قال الحاكم: لأنه ذكر الله تعالى على وجه التعظيم أشبه قوله: الله أكبر واعتبر ذلك بالخطبة, حيث لم يتعين لفظها ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (تحريمها التكبير) رواه أبو داود (وقال للمسيء في صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر) متفق عليه وفي حديث رفاعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة, فيقول: الله أكبر) (وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بقوله: الله أكبر) لم ينقل عنه عدول عن ذلك حتى فارق الدنيا وهذا يدل على أنه لا يجوز العدول عنه وما قاله أبو حنيفة يخالف دلالة الأخبار, فلا يصار إليه ثم يبطل بقول: اللهم اغفر لي ولا يصح القياس على الخطبة لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها لفظ بعينه في جميع خطبه ولا أمر به, ولا يمنع من الكلام فيها والتلفظ بما شاء من الكلام المباح والصلاة بخلافه وما قاله الشافعي عدول عن المنصوص, فأشبه ما لو قال: الله العظيم وقولهم: لم تغير بنيته ولا معناه لا يصح لأنه نقله عن التنكير إلى التعريف وكان متضمنا لإضمار أو تقدير فزال فإن قوله " الله أكبر " التقدير: من كل شيء ولم يرد في كلام الله تعالى, ولا في كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- ولا في المتعارف في كلام الفصحاء إلا هكذا فإطلاق لفظ التكبير ينصرف إليها دون غيرها كما أن إطلاق لفظ التسمية ينصرف إلى قول " بسم الله " دون غيره, وهذا يدل على أن غيرها ليس مثلا لها. والتكبير ركن في الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أو سهوا, وهذا قول ربيعة ومالك والثوري, والشافعي وإسحاق وأبي ثور, وابن المنذر وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري, وقتادة والحكم والأوزاعي: من نسي تكبيرة الافتتاح, أجزأته تكبيرة الركوع ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (تحريمها التكبير) يدل على أنه لا يدخل في الصلاة بدونه. ولا يصح التكبير إلا مرتبا فإن نكسه لم يصح لأنه لا يكون تكبيرا ويجب على المصلى أن يسمعه نفسه إماما كان أو غيره, إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنعه السماع فيأتى به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه, ولأنه ذكر محله اللسان ولا يكون كلاما بدون الصوت والصوت ما يتأتى سماعه, وأقرب السامعين إليه نفسه فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه. ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير, بحيث يسمع المأمومون ليكبروا فإنهم لا يجوز لهم التكبير إلا بعد تكبيره فإن لم يمكنه إسماعهم, جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو ليسمع من لا يسمع الإمام لما روى جابر قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر خلفه, فإذا كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كبر أبو بكر ليسمعنا) متفق عليه.
فصل ويبين التكبير ولا يمد في غير موضع المد فإن فعل بحيث تغير المعنى, مثل أن يمد الهمزة الأولى فيقول: آلله فيجعلها استفهاما أو يمد أكبر فيزيد ألفا, فيصير جمع كبر وهو الطبل لم يجز لأن المعنى يتغير به وإن قال: الله أكبر وأعظم وأجل ونحوه, لم يستحب نص عليه وانعقدت الصلاة بالتكبيرة الأولى. ولا يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يجزئه لقول الله تعالى: فإن كان أخرس أو عاجزا عن التكبير بكل لسان سقط عنه, وقال القاضي: عليه تحريك لسانه لأن الصحيح يلزمه النطق بتحريك لسانه فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر ولا يصح هذا لأنه قول عجز عنه فلم يلزمه تحريك لسانه في موضعه كالقراءة, وإنما لزمه تحريك لسانه بالتكبير مع القدرة عليه ضرورة يوقف التكبير عليها فإذا سقط التكبير سقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه القيام, سقط عنه النهوض إليه وإن قدر عليه ولأن تحريك اللسان من غير نطق عبث لم يرد الشرع به فلا يجوز في الصلاة, كالعبث بسائر جوارحه. وعليه أن يأتي بالتكبير قائما فإن انحنى إلى الركوع بحيث يصير راكعا قبل إنهاء التكبير لم تنعقد صلاته إلا أن تكون نافلة لسقوط القيام فيها ويحتمل أن لا تنعقد أيضا لأن صفة الركوع غير صفة القعود, ولم يأت التكبير قائما ولا قاعدا ولو كان ممن تصح صلاته قاعدا كان عليه الإتيان بالتكبير قبل وجود الركوع منه وقال القاضي: إن كبر في الفريضة في حال انحنائه إلى الركوع, انعقدت نفلا لأنها امتنع وقوعها فرضا وأمكن جعلها نفلا فأشبه من أحرم بفريضة, فبان أنه لم يدخل وقتها.
فصل ولا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير وقال أبو حنيفة: يكبر معه كما يركع معه ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا) متفق عليه والركوع مثل ذلك فإنه إنما يركع بعده إلا أنه لا تفسد صلاته بالركوع معه, لأنه قد دخل في الصلاة وهاهنا بخلافه فإن كبر قبل إمامه لم ينعقد تكبيره, وعليه استئناف التكبير بعد تكبير الإمام. والتكبير من الصلاة وقال أصحاب أبي حنيفة ليس هو منها بدليل إضافته إليها بقوله: (تحريمها التكبير) ولا يضاف الشيء إلى نفسه ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصلاة: (إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم وأبو داود وما ذكروه غلط فإن أجزاء الشيء تضاف إليه, كيد الإنسان ورأسه وأطرافه. قال: [وينوي بها المكتوبة يعنى بالتكبيرة ولا نعلم خلافا بين الأمة في وجوب النية للصلاة وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها] والأصل فيه قول الله تعالى: فصل فأما النافلة, فتنقسم إلى معينة كصلاة الكسوف والاستسقاء, والتراويح والوتر والسنن الرواتب, فيفتقر إلى التعيين أيضا وإلى مطلقة كصلاة الليل, فيجزئه نية الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها. وإذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح لأن النية عزم جازم ومع التردد لا يحصل الجزم وإن تلبس بها بنية صحيحة, ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا تبطل بذلك لأنها عبادة صح دخوله فيها, فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج ولنا أنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدت, كما لو سلم ينوي الخروج منها ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها بما حدث, ففسدت لذهاب شرطها وفارقت الحج فإنه لا يخرج منه بمحظوراته ولا بمفسداته, بخلاف الصلاة فأما إن تردد في قطعها فقال ابن حامد: لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا تزول بالشك والتردد, كسائر العبادات وقال القاضي: يحتمل أن تبطل وهو مذهب الشافعي لأن استدامة النية شرط مع التردد لا يكون مستديما لها فأشبه ما لو نوى قطعها. والواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها ولو ذهل عنها وعزبت عنه في أثناء الصلاة, لم يؤثر ذلك في صحتها لأن التحرز من هذا غير ممكن ولأن النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة بدليل الصوم وغيره, وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان وله حصاص فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه, يقول: اذكر كذا اذكر كذا حتى يظل أحدكم أن لا يدرى كم صلى) متفق عليه ورواه مالك, في " الموطأ " وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له: إنك لم تقرأ فقال: إني جهزت جيشا للمسلمين حتى بلغت به وادى القرى. فإن شك في أثناء الصلاة, هل نوى أو لا؟ أو شك في تكبيرة الإحرام استأنفها لأن الأصل عدم ما شك فيه فإن ذكر أنه كان قد نوى أو كبر قبل قطعها أو أخذ في عمل, فله البناء لأنه لم يوجد مبطل لها وإن عمل فيها عملا مع الشك فقال القاضي: تبطل وهذا مذهب الشافعي لأن هذا العمل عرى عن النية وحكمها فإن استصحاب حكمها مع الشك لا يوجد وقال ابن حامد: لا تبطل, ويبنى أيضا لأن الشك لا يزيل حكم النية بدليل ما لو لم يحدث عملا فإنه يبني, ولو زال حكم النية لبطلت الصلاة كما لو نوى قطعها وإن شك هل نوى فرضا أو نفلا؟ أتمها نفلا إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا وإن ذكر ذلك بعد إحداث عمل, خرج فيه الوجهان المذكوران في التي قبلها فإن شك هل أحرم بظهر أو عصر؟ فحكمه حكم ما لو شك في النية لأن التعيين شرط وقد زال بالشك ويحتمل أن يتمها نفلا, كما لو أحرم بفرض فبان أنه قبل وقته.
فصل وإذا أحرم بفريضة ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى, بطلت الأولى لأنه قطع نيتها ولم تصح الثانية لأنه لم ينوها من أولها فإن نقلها إلى نفل لغير غرض, فقال القاضي: لا يصح رواية واحدة لما ذكرناه وقال في " الجامع ": يخرج على روايتين وقال أبو الخطاب: يكره ويصح لأن النفل يدخل في نية الفرض, بدليل ما لو أحرم بفرض فبان أنه لم يدخل وقته وصحة نقلها إذا كان لغرض وللشافعي قولان كالوجهين فأما إن نقلها لغرض صحيح مثل من أحرم بها منفردا, فحضرت جماعة فجعلها نفلا ليصلى فرضه في جماعة فقال أبو الخطاب: تصح من غير كراهة وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما: لا يصح لأنه لم ينو النفل من أولها والثانية يصح لأنه لفائدة, وهي تأدية فرضه في الجماعة مضاعفة للثواب بخلاف من نقلها لغير غرض فإنه أبطل عمله لغير سبب ولا فائدة. قال: [وإن تقدمت النية قبل التكبير وبعد دخول الوقت ما لم يفسخها أجزأه] قال أصحابنا: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير, وإن طال الفصل أو فسخ نيته بذلك لم يجزئه وحمل القاضي كلام الخرقي على هذا وفسره به وهذا مذهب أبي حنيفة وقال الشافعي وابن المنذر يشترط مقارنة النية للتكبير لقوله تعالى: قال: [ويرفع يديه إلى فروع أذنيه, أو إلى حذو منكبيه] لا نعلم خلافا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وقال ابن المنذر: لا يختلف أهل العلم في أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وقد ذكرنا حديث أبي حميد وروى ابن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع, وبعدما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين) متفق عليه وهو مخير في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه ومعناه أن يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع, وإنما خير لأن كلا الأمرين مروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فالرفع إلى حذو المنكبين في حديث أبي حميد وابن عمر رواه على وأبو هريرة وهو قول الشافعي وإسحاق, والرفع إلى حذو الأذنين رواه وائل بن حجر ومالك بن الحويرث رواه مسلم, وقال به ناس من أهل العلم وميل أحمد إلى الأول أكثر قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إلى أين يبلغ بالرفع؟ قال: أما أنا فأذهب إلى المنكبين لحديث ابن عمر, ومن ذهب إلى أن يرفع يديه إلى حذو أذنيه فحسن وذلك لأن رواة الأول أكثر وأقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وجوز الآخر لأن صحة روايته تدل على أنه كان يفعل هذا مرة وهذا مرة. ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ويضم بعضها إلى بعض لما روى أبو هريرة (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا) وقال الشافعي: السنة أن يفرق أصابعه لما روي عن أبي هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان ينشر أصابعه للتكبير) . ولنا ما ذكرناه, وحديثهم قال الترمذي: هذا خطأ والصحيح ما رويناه ثم لو صح كان معناه مد أصابعه قال أحمد: أهل العربية قالوا: هذا الضم وضم أصابعه وهذا النشر ومد أصابعه وهذا التفريق وفرق أصابعه ولأن النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب ولهذا يستعمل في الشيء الواحد, ولا تفريق فيه.
فصل ويبتدئ رفع يديه مع ابتداء التكبير ويكون انتهاؤه مع انقضاء تكبيره ولا يسبق أحدهما صاحبه, فإذا انقضى التكبير حط يديه فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما لأنه سنة فات محلها وإن ذكره في أثناء التكبير رفع لأن محله باق فإن لم يمكنه رفع يديه إلى المنكبين رفعهما قدر ما يمكنه وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وإن لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما لأنه يأتي بالسنة وزيادة مغلوب عليها وقول الشافعي كقولنا في هذا الفصل جميعه. وإن كانت يداه في ثوبه, رفعهما بحيث يمكن لما روى وائل بن حجر قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة) وفي رواية, قال: ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم تحت الثياب رواهما أبو داود وفي رواية فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم. والإمام والمأموم والمنفرد في هذا سواء وكذلك الفريضة والنافلة, لأن الأخبار لا تفريق فيها فأما المرأة فذكر القاضي فيها روايتين عن أحمد إحداهما ترفع لما روى الخلال بإسناده عن أم الدرداء, وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما وهو قول طاوس ولأن من شرع في حقه التكبير شرع في حقه الرفع كالرجل فعلى هذا ترفع قليلا قال أحمد: رفع دون الرفع والثانية: لا يشرع لأنه في معنى التجافي, ولا يشرع ذلك لها بل تجمع نفسها في الركوع والسجود وسائر صلاتها. قال: [ثم يضع يده اليمنى على كوعه اليسرى] أما وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فمن سنتها في قول كثير من أهل العلم, يروى ذلك عن على وأبي هريرة والنخعي, وأبي مجلز وسعيد بن جبير والثوري, والشافعي وأصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر عن مالك وظاهر مذهبه الذي عليه أصحابه إرسال اليدين وروى ذلك عن ابن الزبير, والحسن ولنا: ما روى قبيصة بن هلب عن أبيه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه) رواه الترمذي, وقال: حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم وعن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رواه البخاري وعن ابن مسعود (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- مر به وهو واضع شماله على يمينه فأخذ يمينه فوضعها على شماله) رواه أبو داود ورواهما الأثرم وفي [المسند] عن غطيف, قال: ما نسيت من الأشياء فلم أنس إني (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- واضعا يمينه على شماله في الصلاة) ويستحب أن يضعها على كوعه وما يقاربه لما روى وائل بن حجر أنه وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال في وصفه: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. قال: [ويجعلهما تحت سرته] اختلفت الرواية في موضع وضعهما, فروى عن أحمد أنه يضعهما تحت سرته روى ذلك عن على وأبي هريرة وأبي مجلز, والنخعي والثوري وإسحاق لما روي عن على رضي الله عنه قال: من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة رواه الإمام أحمد, وأبو داود وهذا ينصرف إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأنه قول من ذكرنا من الصحابة وعن أحمد أنه يضعهما فوق السرة وهو قول سعيد بن جبير والشافعي لما روى وائل بن حجر قال: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى) وعنه أنه مخير في ذلك لأن الجميع مروي, والأمر في ذلك واسع. قال: [ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك, ولا إله غيرك] وجملته أن الاستفتاح من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم وكان مالك لا يراه بل يكبر ويقرأ لما روى أنس, قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) متفق عليه ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يستفتح بما سنذكره وعمل به الصحابة, رضي الله عنهم وكان عمر يستفتح به في صلاته يجهر به ليسمعه الناس, وعبد الله بن مسعود وحديث أنس أراد به القراءة كما جاء في حديث أبي هريرة: (إن الله تعالى قال: قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين) وفسر ذلك بالفاتحة وهذا مثل قول عائشة: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بالتكبير, والقراءة بالحمد لله رب العالمين) ويتعين حمله على هذا لأنه قد ثبت عن الذين روى عنهم أنس الاستفتاح بما ذكرناه إذا ثبت هذا فإن أحمد ذهب إلى الاستفتاح بهذا الذي ذكره الخرقي وقال: لو أن رجلا استفتح ببعض ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من الاستفتاح, كان حسنا أو قال " جائزا " وكذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود, والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم وذهب الشافعي وابن المنذر, إلى الاستفتاح بما قد روى عن على قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين, إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت, وأنا أول المسلمين أنت الملك لا إله إلا أنت أنا عبدك, ظلمت نفسى واعترفت بذنبى فاغفر لي ذنوبى جميعا, لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت, واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت لبيك وسعديك, والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك, تباركت ربنا وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وروى أبو هريرة, قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة أسكت إسكاتة حسبته قال: هنيهة بين التكبير والقراءة فقلت: يا رسول الله بأبى أنت وأمي, أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلنى من خطاياى بالثلج والماء والبرد) متفق عليه . ولنا ما روت عائشة, قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) رواه أبو داود, وابن ماجه والترمذي وعن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثله رواه النسائي والترمذي ورواه أنس وإسناد حديثه كلهم ثقات رواه الدارقطني وعمل به السلف وكان عمر رضي الله عنه يستفتح به بين يدي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فروى الأسود أنه صلى خلف عمر, فسمعه كبر فقال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك, وتعالى جدك ولا إله غيرك فلذلك اختاره أحمد وجوز الاستفتاح بغيره, لكونه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا أنه قال في حديث على: بعضهم يقول في صلاة الليل ولأن العمل به متروك فإنا لا نعلم أحدا يستفتح به كله وإنما يستفتحون بأوله. قال أحمد: ولا يجهر الإمام بالافتتاح وعليه عامة أهل العلم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يجهر به, وإنما جهر به عمر ليعلم الناس وإذا نسي الاستفتاح أو تركه عمدا حتى شرع في الاستعاذة, لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها وكذلك إن نسي التعوذ حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لذلك. قال [ثم يستعيذ] وجملة ذلك أن الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سنة وبذلك قال الحسن وابن سيرين وعطاء, والثوري والأوزاعي والشافعي, وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك: لا يستعيذ لحديث أنس ولنا قول الله تعالى: قال: [ثم يقرأ: الحمد لله رب العالمين] وجملة ذلك أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة وركن من أركانها لا تصح إلا بها في المشهور عن أحمد نقله عنه الجماعة وهو قول مالك, والثوري والشافعي وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص وسعيد بن جبير رضي الله عنهم, أنهم قالوا: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وروي عن أحمد رواية أخرى أنها لا تتعين وتجزئ قراءة آية من القرآن, من أي موضع كان وهذا قول أبي حنيفة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وقول الله تعالى: ولنا ما روى عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه ولأن القراءة ركن في الصلاة, فكانت معينة كالركوع والسجود وأما خبرهم فقد روى الشافعي بإسناده عن رفاعة بن رافع (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابى: ثم اقرأ بأم القرآن, وما شاء الله أن تقرأ) ثم نحمله على الفاتحة وما تيسر معها مما زاد عليها, ويحتمل أنه لم يكن يحسن الفاتحة وأما الآية فتحتمل أنه أراد الفاتحة وما تيسر معها ويحتمل أنها نزلت قبل نزول الفاتحة, لأنها نزلت بمكة والنبي - صلى الله عليه وسلم- مأمور بقيام الليل فنسخه الله تعالى عنه بها, والمعنى الذي ذكروه أجمعوا على خلافه فإن من ترك الفاتحة كان مسيئا بخلاف بقية السور. قال: [ويبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم] وجملة ذلك أن قراءة [بسم الله الرحمن الرحيم] مشروعة في الصلاة في أول الفاتحة, وأول كل سورة في قول أكثر أهل العلم وقال مالك والأوزاعي: لا يقرؤها في أول الفاتحة لحديث أنس وعن ابن عبد الله بن المغفل قال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أي بني, محدث؟ إياك والحدث قال: ولم أر واحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان أبغض إليه الحدث في الإسلام - يعنى منه فإنى صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها, إذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن . ولنا ما روي عن نعيم المجمر, أنه قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وقال: والذي نفسي بيده, إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم-) أخرجه النسائي وروى ابن المنذر (, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم) وعن أم سلمة (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية و قال: [ولا يجهر بها] يعنى [بسم الله الرحمن الرحيم] ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين, منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير, وعمار وبه يقول الحكم وحماد والأوزاعي والثوري, وابن المبارك وأصحاب الرأي ويروى عن عطاء وطاوس, ومجاهد وسعيد بن جبير الجهر بها وهو مذهب الشافعي لحديث أبي هريرة, أنه قرأها في الصلاة وقد صح أنه قال: ما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسمعناكم وما أخفى علينا أخفيناه عليكم متفق عليه وعن أنس (أنه صلى وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال: أقتدى بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-) ولما تقدم من حديث أم سلمة وغيره ولأنها آية من الفاتحة, فيجهر بها الإمام في صلاة الجهر كسائر آياتها ولنا حديث أنس, وعبد الله بن المغفل وعن عائشة رضي الله عنها (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) متفق عليه وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين, ولعبدى ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدنى عبدي وذكر الخبر) أخرجه مسلم وهذا يدل على أنه لم يذكر " بسم الله الرحمن الرحيم " ولم يجهر بها وحديث أبي هريرة الذي احتجوا به ليس فيه أنه جهر بها, ولا يمتنع أن يسمع منه حال الإسرار كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي - صلى الله عليه وسلم- مع إسراره بهما وقد روى أبو قتادة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر) متفق عليه وحديث أم سلمة ليس فيه أنه جهر بها, وسائر أخبار الجهر ضعيفة فإن رواتها هم رواة الإخفاء وإسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف فيه فدل على ضعف رواية الجهر, وقد بلغنا أن الدارقطني قال: لم يصح في الجهر حديث. واختلفت الرواية عن أحمد هل هي آية من الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة أو لا؟ فعنه أنها من الفاتحة وذهب إليه أبو عبد الله ابن بطة وأبو حفص وهو قول ابن المبارك, والشافعي وإسحاق وأبي عبيد قال ابن المبارك: من ترك [بسم الله الرحمن الرحيم] فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية وكذلك قال الشافعي: هي آية من كل سورة لحديث أم سلمة وروى أبو هريرة, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قرأتم: الحمد لله رب العالمين فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب وإنها السبع المثاني, و بسم الله الرحمن الرحيم آية منها) ولأن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوها في المصاحف بخطها ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن وروي عن أحمد, أنها ليست من الفاتحة ولا آية من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة وهي المنصورة عند أصحابه, وقول أبي حنيفة ومالك والأوزاعي, وعبد الله بن معبد الزماني واختلف عن أحمد فيها فقيل عنه: هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين فصلا بين السور وعنه: إنما هي بعض آية من سورة النمل كذلك قال عبد الله بن معبد, والأوزاعي: ما أنزل الله " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا في سورة يلزمه أن يأتي بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة, غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى فإن ترك ترتيبها أو شدة منها, أو لحن لحنا يحيل المعنى مثل أن يكسر كاف [إياك] أو يضم تاء [أنعمت], أو يفتح ألف الوصل في [اهدنا] لم يعتد بقراءته إلا أن يكون عاجزا عن غير هذا ذكر القاضي نحو هذا في [المجرد], وهو مذهب الشافعي وقال القاضي في [الجامع]: لا تبطل بترك شدة لأنها غير ثابتة في خط المصحف هي صفة للحرف ويسمى تاركها قارئا والصحيح الأول لأن الحرف المشدد أقيم مقام حرفين, بدليل أن شدة راء [الرحمن] أقيمت مقام اللازم وشدة لام [الذين] أقيمت مقام اللازم أيضا فإذا أخل بها أخل بالحرف وما يقوم مقامه, وغير المعنى إلا أن يريد أنه أظهر المدغم مثل من يقول " الرحمن " مظهرا للام, فهذا تصح صلاته لأنه إنما ترك الإدغام وهو معدود لحنا لا يغير المعنى قال: ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها, ولم يحققها على الكمال أنه لا يعيد الصلاة لأن ذلك لا يحيل المعنى ويختلف باختلاف الناس ولعله إنما أراد في [الجامع] هذا المعنى, فيكون قوله متفقا ولا يستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف ساكن لأنها في كل موضع أقيمت مقام حرف ساكن فإذا زادها على ذلك زادها عما أقيمت مقامه فيكون مكروها وفي [بسم الله الرحمن الرحيم] ثلاث شدات, وفيما عداها إحدى عشرة تشديدة بغير اختلاف.
فصل وأقل ما يجزئ فيها قراءة مسموعة يسمعها نفسه, أو يكون بحيث يسمعها لو كان سميعا كما قلنا في التكبير فإن ما دون ذلك ليس بقراءة والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة, يقف فيها عند كل آية ويمكن حروف المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلى التمطيط لقول الله تعالى: فإن قطع قراءة الفاتحة بذكر من دعاء, أو قراءة أو سكوت يسير أو فرغ الإمام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم, قال: آمين ولا تنقطع قراءته لقول أحمد: إذا مرت به آية رحمة سأل وإذا مرت به آية عذاب استعاذ وإن كثر ذلك استأنف قراءتها إلا أن يكون السكوت مأمورا به, كالمأموم يشرع في قراءة الفاتحة ثم يسمع قراءة الإمام فينصت له, فإذا سكت الإمام أتم قراءتها وأجزأته أومأ إليه أحمد وكذلك إن كان السكوت نسيانا أو نوما, أو لانتقاله إلى غيرها غلطا لم يبطل فمتى ذكر أتى بما بقي منها فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره, أبطلها ولزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك فإن نوى قطع قراءتها, من غير أن يقطعها لم تنقطع لأن فعله مخالف لنيته والاعتبار بالفعل لا بالنية وكذا إن سكت مع النية سكوتا يسيرا لما ذكرناه من أنه لا عبرة بالنية, فوجودها كعدمها وذكر القاضي في [الجامع] أنه متى سكت مع النية أبطلها ومتى عدل إلى قراءة غير الفاتحة عمدا, أو دعاء غير مأمور به بطلت قراءته ولم يفرق بين قليل أو كثير وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدا أبطلها وإن كان غلطا, رجع إلى موضع الغلط فأتمها والأولى إن شاء الله ما ذكرناه لأن المعتبر في القراءة وجودها, لا نيتها فمتى قرأها متواصلة تواصلا قريبا صحت كما لو كان ذلك عن غلط. ويجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في الصحيح من المذهب وهذا مذهب مالك, والأوزاعي والشافعي وعن أحمد: أنها لا تجب إلا في ركعتين من الصلاة ونحوه عن النخعي والثوري, وأبي حنيفة لما روي عن على رضي الله عنه أنه قال: اقرأ في الأوليين, وسبح في الأخريين ولأن القراءة لو وجبت في بقية الركعات لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين وعن الحسن: أنه إن قرأ في ركعة واحدة, أجزأه لقول الله تعالى: ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي, سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وقال بعض أصحابه: أنما يجوز لمن لم يحسن العربية واحتج بقوله تعالى: فصل فإن لم يحسن القراءة بالعربية لزمه التعلم فإن لم يفعل مع القدرة عليه, لم تصح صلاته فإن لم يقدر أو خشي فوات الوقت وعرف من الفاتحة آية, كررها سبعا قال القاضي: لا يجزئه غير ذلك لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها وكذلك إن أحسن منها أكثر من ذلك كرره بقدره ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها لأن هذه الآية يسقط فرضها بقراءتها فيعدل عن تكرارها إلى غيرها, كمن وجد بعض الماء فإنه يغسل به ويعدل إلى التيمم وذكر القاضي هذا الاحتمال في " الجامع " ولأصحاب الشافعي وجهان, كما ذكرنا فأما إن عرف بعض آية لم يلزمه تكرارها وعدل إلى غيرها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول: [الحمد لله] وغيرها وهي بعض آية, ولم يأمره بتكرارها وإن لم يحسن شيئا منها وكان يحفظ غيرها من القرآن قرأ منه بقدرها إن قدر, لا يجزئه غيره لما روى أبو داود عن رفاعة بن رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قمت إلى الصلاة, فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله, وكبره) ولأنه من جنسها فكان أولى ويجب أن يقرأ بعدد آياتها وهل يعتبر أن يكون بعدد حروفها؟ فيه وجهان: أحدهما لا يعتبر لأن الآيات هي المعتبرة, بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها فأشبه من فاته صوم يوم طويل فلا يعتبر أن يكون القضاء في يوم على قدر ساعات الأداء والثاني: يلزمه ذلك لأن الحرف مقصود بدليل تقدير الحسنات به, ويخالف الصوم إذ لا يمكن اعتبار المقدار في الساعات إلا بمشقة فإن لم يحسن إلا آية كررها سبعا فإن لم يحسن شيئا من القرآن, ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت لزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله, ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى أبو داود, قال (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني منه فقال: قل: سبحان الله والحمد لله, ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: هذا لله فما لي؟ قال: تقول: اللهم اغفر لي, وارحمنى وارزقنى واهدني, وعافني) ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- اقتصر عليها وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يزيد على هذه الخمس كلمتين, حتى تكون مقام سبع آيات ولا يصح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- علمه ذلك جوابا لقوله: علمني ما يجزئني والسؤال كالمعتاد في الجواب فكأنه قال: يجزئك هذا وتفارق القراءة من غير الفاتحة لأنه بدل من غير الجنس فأشبه التيمم فإن لم يحسن هذه الكلمات كلها, قال ما يحسن منها وينبغى أن يلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها كمن يحسن بعض الفاتحة ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله, وهلله وكبره) رواه أبو داود.
مسألة قال: [فإذا قال: ولا الضالين قال: آمين] وجملته أن التأمين عند فراغ الفاتحة سنة للإمام والمأموم روى ذلك عن ابن عمر وابن الزبير, وبه قال الثوري وعطاء والشافعي, ويحيي بن يحيي وإسحاق وأبو خيثمة, وابن أبي شيبة وسليمان بن داود وأصحاب الرأي وقال أصحاب مالك: لا يحسن التأمين للإمام لما روى مالك, عن سمى عن أبي صالح عن أبي هريرة, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قال الإمام ولنا ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمن الإمام فأمنوا, فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له) متفق عليه وروى وائل بن حجر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال: ولا الضالين قال: آمين ورفع بها صوته) رواه أبو داود ورواه الترمذي وقال: ومد بها صوته وقال: هو حديث حسن, وقد قال بلال للنبى - صلى الله عليه وسلم-: [لا تسبقني بآمين] وحديثهم لا حجة لهم فيه وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم وهو عقيب قول الإمام: [ولا الضالين] لأنه موضع تأمين الإمام, ليكون تأمين الإمام والمأمومين في وقت واحد موافقا لتأمين الملائكة وقد جاء هذا مصرحا به كما قلنا, وهو ما روي عن الإمام أحمد في " مسنده " عن أبي هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين فإن الملائكة تقول: آمين والإمام يقول: آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في اللفظ الآخر: [إذا أمن الإمام] يعنى إذا شرع في التأمين ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه بالقراءة وإخفاؤها فيما يخفى فيه وقال أبو حنيفة, ومالك في إحدى الروايتين عنه: يسن إخفاؤها لأنه دعاء فاستحب إخفاؤه كالتشهد ولنا (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: آمين ورفع بها صوته) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالتأمين عند تأمين الإمام فلو لم يجهر به لم يعلق عليه, كحالة الإخفاء وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة فإنه دعاء ويجهر به ودعاء التشهد تابع له فيتبعه في الإخفاء, وهذا تابع للقراءة فيتبعها في الجهر فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم ورفع صوته ليذكر الإمام فيأتي به, لأنه سنة قولية إذا تركها الإمام أتى بها المأموم كالاستعاذة وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم لما ذكرناه وإن ترك التأمين نسيانا, أو عمدا حتى شرع في قراءة السورة لم يأت به لأنه سنة فات محلها في " آمين " لغتان: قصر الألف, ومدها مع التخفيف فيهما قال الشاعر: تباعد مني فطحل إذ دعوته ** أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وأنشدوا في الممدود: يا رب لا تسلبني حبها أبدا ** ويرحم الله عبدا قال آمينا
ومعنى " آمين " اللهم استجب لي قاله الحسن وقيل: هو اسم من أسماء الله عز وجل ولا يجوز التشديد فيها لأنه يحيل معناها, فيجعله بمعنى قاصدين كما قال الله تعالى: فصل يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة, كي لا ينازعوه فيها وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق وكرهه مالك, وأصحاب الرأي . ولنا ما روى أبو داود وابن ماجه أن, سمرة حدث أنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سكتتين سكتة إذا كبر, وسكتة إذا فرغ من قراءة مسألة قال: [ثم يقرأ سورة في ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم] لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة, ويجهر بها فيما يجهر فيه بالفاتحة ويسر فيما يسر بها فيه والأصل في هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن أبا قتادة روى (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى, ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين, يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح, ويقصر في الثانية) وفي رواية: في الظهر كان يقرأ في الركعتين الأخريين بأم الكتاب متفق عليه وروى أبو برزة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة وقد اشتهرت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر ونقل نقلا متواترا وأمر به معاذا, فقال: اقرأ بالشمس وضحاها وبسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى) متفق عليه ويسن أن يفتتح السورة بقراءة [بسم الله الرحمن الرحيم], وافق مالك على هذا فإنه قال في قيام رمضان: لا يقرأ [بسم الله الرحمن الرحيم] في أول الفاتحة ويستفتح بها في بقية السور ويسر بها في السورة كما يسر بها في أول الفاتحة والخلاف ها هنا كالخلاف ثم, وقد سبق القول فيه. ويقرأ بما في مصحف عثمان ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طريق إسماعيل بن جعفر قال: فإن لم يكن فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وأثنى على قراءة أبي عمرو بن العلاء ولم يكره قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة والكسائى لما فيها من الكسر والإدغام, والتكلف وزيادة المد وروي عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (نزل القرآن بالتفخيم) وعن ابن عباس قال: أنزل القرآن بالتفخيم والتثقيل, نحو الجمعة وأشباه ذلك ونقل عنه التسهيل في ذلك وأن قراءتهما في الصلاة جائزة قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إمام كان يصلي بقراءة حمزة أصلى خلفه؟ قال: لا يبلغ به هذا كله, ولكنها لا تعجبنى قراءة حمزة. فأما ما يخرج عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود وغيرها فلا ينبغي أن يقرأ بها في الصلاة لأن القرآن ثبت بطريق التواتر, وهذه لم يثبت التواتر بها فلا يثبت كونها قرآنا فإن قرأ بشيء منها مما صحت به الرواية, واتصل إسنادها ففيه روايتان إحداهما لا تصح صلاته لذلك والثانية: تصح لأن الصحابة كانوا يصلون بقراءتهم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم- وبعده, وكانت صلاتهم صحيحة بغير شك وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- عمر وهشام ابن حكيم حين اختلفا في قراءة القرآن فقال: (اقرءوا كما علمتم) وكان الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان المصحف يقرءون بقراءات لم يثبتها في المصحف ويصلون بها, لا يرى أحد منهم تحريم ذلك ولا بطلان صلاتهم به. ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها في إحدى الروايتين نقلها عن أحمد جماعة لأن أبا سعيد قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب, وما تيسر وعن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: اخرج فناد في المدينة أنه (لا صلاة إلا بقرآن, ولو بفاتحة الكتاب) أخرجهما أبو داود وهذا يدل على أنه لا يتعين الزيادة وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان, رواه الخلال بإسناده وعن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا يقرءون في الفريضة من السورة بعضها, ثم يركع ثم يقوم فيقرأ في سورة أخرى وقول أبي برزة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة) دليل على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة والرواية الثانية, يكره ذلك نقل المروذي عن أحمد أنه كان يكره أن يقرأ في صلاة الفرض بآخر سورة وقال: سورة أعجب إلى قال المروذي: وكان لأبي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة, فلما أكثر قال أبو عبد الله: تقدم أنت فصل فقلت له: هذا يصلي بك منذ كم قال: دعنا منه يجيء بآخر السور وكرهه ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلك, والمنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قراءة السورة أو بعض سورة من أولها فأعجبه موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يعجبه مخالفته ونقل عنه في الرجل يقرأ من أوسط السور وآخرها, فقال: أما آخر السور فأرجو وأما أوسطها فلا ولعله ذهب في آخر السورة إلى ما روى فيه عن عبد الله وأصحابه ولم ينقل مثل ذلك في أوسطها وقد نقل عنه الأثرم, قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة؟ قال: أليس قد روى في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد وغيره؟ وأما قراءة بعض السورة من أولها فلا خلاف في أنه غير مكروه (فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة, فركع وقرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب فرقها مرتين) رواه النسائي.
فصل ولا بأس بالجمع بين السور في صلاة النافلة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- (قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء) وقال ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل, سورتين في ركعة متفق عليه وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة وروى ذلك عن جماعة من التابعين وأما الفريضة فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة, من غير زيادة عليها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- هكذا كان يصلي أكثر صلاته وأمر معاذا أن يقرأ في صلاته كذلك وإن جمع بين سورتين في ركعة, ففيه روايتان: إحداهما يكره لذلك والثانية: لا يكره لأن حديث عبد الله بن مسعود مطلق في الصلاة فيحتمل أنه أراد الفرض وقد روى الخلال, بإسناده عن ابن عمر أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في ركعة وإن قرأ في ركعة سورة ثم أعادها في الثانية, فلا بأس لما روى أبو داود بإسناده عن رجل من جهينة أنه (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما ). والمستحب أن يقرأ في الركعة الثانية بسورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم لأن ذلك هو المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد روي عن ابن مسعود, أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا؟ قال: ذلك منكوس القلب وفسره أبو عبيدة بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم فإن قرأ بخلاف ذلك, فلا بأس به قال أحمد لما سئل عن هذه المسألة لا بأس به أليس يعلم الصبى على هذا؟ وقال في رواية مهنا: أعجب إلى أن يقرأ من البقرة إلى أسفل وقد روى أن الأحنف قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما, استشهد به البخاري. إذا فرغ من القراءة قال أحمد -رحمه الله-: يثبت قائما, ويسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- (أنه كان له سكتتان سكتة عند افتتاح الصلاة, وسكتة إذا فرغ من القراءة) وهذا هو حديث سمرة كذلك رواه أبو داود وغيره.
|